فصل: فَصْل فِيمَا أَصَابَ سَعِيدَ بْن زَيْد وَزَوْجَتهُ فَاطِمَةِ أُخْت عُمَر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.نَمَاذِج مِنْ صَبْرِ بلال بن رباح:

أَخْرَجَ ابْنُ سَعَدٍ عَنْ الشِّعَبِي قَالَ: دَخَلَ خَبَّابُ بْن الآرَت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مُتَّكَئِهِ فَقَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْ هَذَا إِلا رَجُل وَاحِد. قَالَ لَهُ خَبَّابُ: مَنْ هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بِلالٌ. فَقَالَ خَبَّابٌ: مَا هُوَ أَحَقُّ مِنِّي إِنَّ بِلالاً كَانَ لَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْنَعُهُ اللهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، فَلَقَدْ رَأَيْتنِي يَوْمًا، أَخَذُونِي فَأَوْقَدُوا لِي نَارًا، ثُمَّ سَلَقُونِي فِيهَا ثُمَّ وَضَعَ رَجُلٌ رِجْلَهُ عَلَى صَدْرِي فَمَا اتَّقَيْتُ الأَرْضَ – أَوَ قَالَ: بَرْدَ الأَرْضِ- إِلا بِظَهْرِي، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ فَإَذَا هُوَ قَدْ بَرَصَ، أَيْ مِنْ أَثَرِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ.
وَأَخْرَجَ أحمد عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً قَيِّنًا وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٍ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ. فَقَالَ: لا وَاللهِ لا أَقْضِيَنَّكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: لا وَاللهِ لا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَث. قَالَ: فَإِنَّي إِذَا مِتُّ ثُمَّ جَئْتنِي وَلِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ فَأُعْطِيَكَ.
فَأَنْزَلَ اللهُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَأْتِينَا فَرْداً}. وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الشِّعبِيِّ قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِلالاً عَمَّا لَقِيَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَقَالَ خَبَّابٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! انْظُرْ إِلَى ظَهْرِي. فَقَالَ عُمَرُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ. قَالَ: أَوْقَدُوا لِي نَارًا فَمَا أَطْفَأَهَا إِلا وَدَكَ ظَهْرِي.
إِنَّ الشَّدَائِدَ قَدْ تَغْشَى الْكَرِيمَ لأَنْ ** تُبِينُ فَضْلَ سَجَيَاهُ وَتُوضِحُهُ

كَمَبْرَدِ الْقَيِّنِ إِذْ يَعْلُو الْحَدِيدَ بِهِ ** وَلَيْسَ يَأْكُلُهُ إِلا لِيُصْلِحَهُ

قَالَ عِيسَى بْن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مُجَالَسَةً؟ قَالُوا: بَلَى يَا رُوحِ اللهِ. قَالَ: مَنْ تُذَكِّرُكُمْ بِاللهِ رُؤْيَتُهُ وَيُزِيدُكُمْ فِي عَمَلِكُمْ مَنْطِقِهِ وَيُشَوِّقُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ عَمَلُهُ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْحَوَارِيِّينَ: وَيْلُكُمْ، يَا عَبِيدَ الدُّنْيَا كَيَفَ تُخَالِفُ فُرُوعكُمْ أُصُولَكمْ وَأَهْوَاؤكمْ عُقُولَكمْ، قَوْلُكُمْ شِفَاءٌ يٌبْرِؤُ الدَّاءَ، وَفِعْلُكُمْ دَاءٌ لا يَقْبَلُ الدَّوَاءَ لَسْتُمْ كَالْكرْمَةِ التَّي حَسُنَ وَرَقُهَا وَطَابَ ثَمَرُهَا وَسَهُلَ مُرْتَقَاهَا، وَلَكِنَّكُمْ كَالسُّمْرَةِ التَّي قَلَّ وَرَقُهَا وَكَثُر شَوْكُهَا وَصَعُبَ مُرْتَقَاهَا.
وَيْلُكُمْ يَا عَبِيدَ الدُّنْيَا جَعَلْتُمْ الْعَمَلَ تَحْتَ أَقْدَامِكِمْ مَنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَجَعَلْتُمْ الدُّنْيَا فَوْقَ رُؤسِكِمْ لا يُمْكِنُ تَنَاوُلهَا فَلا أَنْتُمْ عَبِيدٌ نُصَحًا وَلا أَحْرَارٌ كِرَامٌ. وَيِلُكُمْ يَا أُجَرَاءُ السُّوءِ، الأَجْرُ تَأْخُذُونَ وَالْعَمَلَ تُفْسِدُونَ سَوْفَ تَلْقَوْنَ مَا تَحْذَرُونَ إِذَا نَظَرَ رَبُّ الْعَمَل فِي عَمَلِهِ الَّذِي أَفْسَدْتُمْ وَأَجْرِهِ الَّذِي أَخَذْتُمْ.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: اتَّخِذُوا الْمَسَاجِدَ بيوتًا، وَالْبيوتَ مَنَازِلَ، وَكُلُوا بَقْلَ الْبَرِيَّةِ، وَاشْرَبُوا الْمَاءَ الْقُرَاحَ، وَانْجُوا مِنَ الدُّنْيَا سَالِمِينَ. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْحَوَارِيِّينَ: لا تَنْظُرُوا فِي أَعْمَالِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ، وَانْظُرُوا فِي أَعْمَالِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ، فَإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلانِ مُبْتَلَى وَمُعَافَى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاءِ، وَاحْمِدُوا اللهَ عَلَى الْعَافِيَةِ. وَقَالَ: عَجَبًا لَكُمْ تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا وَأَنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيهَا بِلا عَمَلٍ، وَلا تَعْمَلُونَ لِلآخِرَةِ وَأَنْتُمْ لا تُرْزَقُونَ فِيهَا بِلا عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا مِنْ جِمِيعِ الآفَاتِ وَعَافِنَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِحَنِ وَالْبَلِيَّاتِ، وَوَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَارْفَعْ لَنَا فِي مَرْضَاتِكَ الدَّرَجَاتِ وَمَتِّعْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ فِي فَسِيحِ الْجَنَّاتِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ يَا مَنْ لا تَضُّرُهُ الْمَعْصَيَةُ وَلا تَنْفَعُهُ الطّاعَةُ أَيْقِظْنَا مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ، وَنَبِّهْنَا لاغْتِنَامِ أَوْقَاتِ الْمُهْلَةِ وَوَفِّقْنَا لَمَصَالِحِنَا وَاعْصِمْنَا مِنْ قَبَائِحِنَا، وَلا تُؤَاخِذُنَا بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ ضَمَائِرِنَا، وَأَكَنَّتْهُ سَرَائِرُنَا مِنْ أَنْوَاعِ الْقَبَائِحِ وَالْمَعَائِبِ التَّي تَعْلَمُهَا مِنَّا، وَامْنُنْ عَلَيْنَا يَا مَوْلانَا بِتَوْبَةٍ تَمْحُو بِهَا عَنَّا كُلَّ ذَنْبٍ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.نَمَاذِج مِنْ صَبْرِ أبي ذر:

فَصْلٌ:
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ عَلَى هَذَا الْوَادِي فاعْلَمْ عِلْمَ هَذَا الرَّجُل الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ يَأْتِيهُ الْخَبَر مِنَ السَّمَاءِ وَاسْمَعْ قَوْلُهُ ثُمَّ ائْتِنِي، فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ وَسِمَعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ وَكَلامًا مَا هُوَ بَالشِّعْرِ. فَقَالَ: شَفَيْتَني مِمَّا أَرَدْتُ.
فَتَزَوَّدَ حِمْل شَنَّةٍ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكْةَ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلا يَعْرِفُهُ وَكَرِهَ أنَّ يَسْأَلَ عَنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ بَعْضُ اللَّيلِ اضْطَجَعَ فَرَآهَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مَنْهُمَا صَاحَبَهُ عَنْ شَيْء حَتَّى أَصْبَحَ.
ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدَ وَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَلا يَرَاهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَمْسَى، فَعَادَ إِلَى مَضْجَعَهُ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلَ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ، فَأَقَامَهُ، فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ، لا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْء، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْم الثَّالِثِ، فَعَادَ عَلِيٌّ ذَلِكَ فَأَقَامَ مَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَلا تُحَدَّثَنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لِتُرْشِدَنِي فَعَلْتُ. فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ قَالَ: فَإِنَّهُ حَقٌّ وَهُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإَذَا أَصْبَحْتَ فَاتَّبِعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَخَلَ مَعْهُ فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إرْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي».
قَالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتَهُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، وَأَتَى العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارَتِكُمْ إِلَى الشَّامِ فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ.
ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِّ بِمِثْلِهُا فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا فَأَكَبَّ العَبَّاسُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي أَشْهَدُ أَن لا إله إلا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئُ فَقَامُوا فَضُرِبَتُ لأَمُوتَ. فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهمْ فَقَالَ: وَيْلُكُمْ تَقْتُلُونَ رَجُلاً مِنْ غِفَارٍ وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارٍ فَأَقْلَعُوا عَنِّي.
فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَّ رَجَعْتُ فَقُلْتُ: مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ، فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئُ فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتُهُ بِالأَمْسِ.
طَالِع تَوَارِيخ مَنْ فِي الدَّهْرِ قَدْ وُجِدُوا ** تَجِدْ خُطُوبًا تُسَلِّي عَنْكَ مَا تَجِدُ

تَجِدُ أَكَابِرَهُمْ قَدْ جُرِّعُوا غُصَصًا ** مِنْ الرَّزَايَا بِهَا قَدْ فُتِّنَتْ كُبُدُ

عَزْلٌ وَنَهْبٌ وَضَرْبٌ بِالسِّيَاطِ يَلي ** حَبْسٌ وَقَتْلٌ وَتَشْرِيدٌ لِمَنْ زَهِدُوا

وَإِنْ وُقِيتَ بِِحَمْدِ اللهِ شَرَّتَهُمْ ** فَلْتَحْمد اللهَ فِي الْعُقْبَى كَمَنْ حَمِدُوا

آخر:
وَلا يَلْبَثُ الْجُهَّالُ أَنْ يَتَهَظَّمُوا ** أَخَا الدِّين مَا لَمْ يَسْتَعِنْ بِسَفِيه

آخر:
وَمَنْ يَحْلَمْ ولَيْسَ لَهُ سَفِيهٌ ** يُلاقِي الْمُعْضِلاتِ مِنَ النُّذُول

آخر:
مَا إِنْ نَفَى عَنْكَ قَوْمًا قُرْبُهُمُ ضَرَرٌ ** كَمِثْلِ قَمْعِكَ جُهَّالاً بِجُهَّالٍ

آخر:
تَعْدُ الذِّئَابِ عَلَى مَنْ لا كِلابَ لَهُ ** وَتَتَّقِي مَرْبَضَ الْمُسْتَأْسِدِ الْحَامِي

وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم يَقُولُ أَبُو ذَرٍ: فَرَمَانِي النَّاسُ حَتَّى كَأَنِّي نَصْبُ أَحْمَرُ فَاخْتَبَأْتُ بِيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا وَلَبِثْتُ فِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَا لِي طَعَامٌ وَلا شَرَابٌ إِلا مَاءُ زَمْزَمَ.
قَالَ: وَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَدْ دَخَلا الْمَسْجِدَ فَوَاللهِ أَنِّي لأَوْلُ النَّاسِ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ. فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ، مَنْ أَنْتَ». فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ. فَقَالَ صَاحِبُهُ: ائْذَنْ لي يَا رَسُولَ اللهِ فِي ضِيَافَةِ اللَّيْلَةِ، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى دَارٍ فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَقُبِضَ لِي قَبَضَاتُ مِنْ زَبِيبٍ. قَالَ: فَقَدِمْتُ عَلَى أَخِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَسْلَمْتُ. قَالَ: فَإِنِّي عَلَى دِينِكِ، فَانْطَلَقَنَا إِلَى أُمِّنَا فقَالَتْ: إِنِّي عَلَى دِينِكُمَا. قَالَ: وَأَتَيْتُ قَوْمِي فَدَعَوْتُهُمْ فَتَبِعَنِي بَعْضهُمْ.
وأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْم فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَقَمْتُ مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَعَلَّمَنِي الإِسْلامَ وَقَرَأْتُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُظْهِرَ دِينِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إَنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تُقْتَلَ». قُلْتُ: لابد مِنْهُ وَإِنْ قُتِلْتُ. قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي فَجِئْتُ وَقُُرَيْشٌ حِلَقًا يَتَحَدَّثُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
فَانْتَفَضَتِ الْحِلَقُ فَقَامُوا فَضَرَبُونِي حَتَّى تَرَكُونِي كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَر، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُونِي، فَأَفَقْتُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى مَا بِي مِنَ الْحَالِ. فَقَالَ: «أَلَمْ أَنْهَكَ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ كَانْتْ حَاجَةُ فِي نَفْسِي فَقَضَيْتُهَا. فَأَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «الْحَقْ بِقَوْمِكَ فَإَذَا بَلَغَكَ ظُهُورِي فَأْتِنِي».
وَعَنْ أَبِي ذَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ مَكَّةَ فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلِ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ، فَخَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَر.
تَسْطُوا الْكِلابَ عَلَى أُسْدِ الشَّرّ سَفَهًا ** وَالْبَازُ الأَشْهَبُ يَخْشَى صَوْلَةَ الْحَجَل

وَالْقِرْدُ يَضْحَكُ مِنْ نِمْرٍ عَلَى هُزُءٍ ** وَالْكَلْبُ يُوعِدُ لَيْثَ الْغيلِ بِالْغِيَل

آخر:
وَإِنِّي لأَسْتَبِقِي إِمْرَأَ السُّوء عَدَّةً ** لِعَدْوَةِ عَرِيضِ مِنَ الْقَوْمِ جَانِبِ

أَخَافُ كِلابَ الأَبْعَدِينَ وَهَرْشَهَا ** إِذَا لَمْ تُهَارِشْهَا كِلابُ الأَقَارِب

.موعظة:

عِبَادَ اللهِ تَزَوَّدُا لِلرَّحِيلِ، فَقَدْ دَنَتْ الآجَالُ وَاجْتَهِدُوا وَاسْتَعِدُّوا لِلرَّحِيلِ، فَقَدْ قَرُبَ الارْتِحَالُ، وَمَهِّدُوا لأَنْفُسِكُمْ صَالِحَ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِالْفُرَاقِ وَإِنَّ الآخِرَة قَدْ أَشْرَفَتْ لِلتَّلاقِ فَتَزَوَّدُوا مِنْ دَارِ الانْتِقَالِ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ.
وَاسْتَشْعِرُوا التَّقْوَى فِي الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَأحْذَرُوا التَّفَاخُرَ والتَّكَاثُرَ فِي الدُّنْيَا بِجَمْعِ الْحُطَامِ وَاكْتِسَابِ الآثَامِ وَإِيَّاكُمْ وَالاغْتِرَارَ بِالآمَالِ فَوَرَاءَكُمْ الْمَقَابِرُ ذَاتُ الْوَحْشَةِ وَالْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَالْكُرُبَاتِ وَتَضَايُقِ الأَنْفَاسِ وَالأَهْوَالِ الْمُفْضعاتِ.
فَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِي حِسَابٍ إِذَا نُودِيتُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ حُفَاةً عُرَاةً غُرُلاً مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي وَتَعَلَّقُ الْمَظْلُومُونَ بَالظَّالِمِينَ وَوَقَفْتُمْ بَيْنَ يَدَيِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحَلَّ بِكِمْ كَرْبُ الْمَقَامِ وَاشْتَدَّ بِالْخَلْقِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الزّحَامُ وَأُخِذَ الْمُجْرِمُونَ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ وَبُرِّزَتْ جَهَنَّمُ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفِ زِمَامٍ مَعَ كُلّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا وَالْخَزَنَةُ حَوْلَهَا غِلاظٌ شِدَادٌ.
وَيَنَادِي عِنْدَ ذَلِكَ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الْجَبَّارِ فيَقُولُ: هَلْ امْتَلأتِ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ. هُنَالِكَ يَنْخَلِعُ قَلْبُكَ وَتَتَذَكَّرُ مَا فَرَطْتَ فِيهِ مِنَ الأَوْقَاتِ وَتَنْدِمُ وَلاتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ وَتَتَمَنَّى أَنْ لَوْ زِيدَ فِي الْحَسَنَاتِ وَخُفِفَ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَلَكِنْ أَنَّى لَكَ بِهَذا وَهَيْهَاتَ {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.
اللَّهُمَّ وَفَّقَنَا لِلاسْتَعْدَادِ لِمَا أَمَامَنَا، اللَّهُمَّ وَقَوِّي إِيمَانَنَا بِكَ وَبِمَلائِكَتِكَ وَبِكُتِبِكَ وَبِرُسُلِكَ وَبِالْيَوْم الآخَرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، اللَّهُمَّ نَوِّرْ قُلُوبِنَا وَاشْرَحْ صُدُورِنَا وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهَوألهمنا ذَكْرِكَ وَشُكْرِكَ، اللَّهُمَّ وَفَّقَنَا لِصَالِحِ الأَعْمَالِ، وَنَجِّنَا مِنْ جَمْيعِ الأَهْوَالِ، وَأَمِّنَا مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرُ يَوْمَ الزَّحْفِ وَالزَّلازِلَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاء مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فَصْل فِيمَا أَصَابَ سَعِيدَ بْن زَيْد وَزَوْجَتهُ فَاطِمَةِ أُخْت عُمَر:

أَخْرَجَ ابْنُ سَعَدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عُمَرٌ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زهرةٍ قَالَ: أَيْنَ تَعْمِدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا. قَالَ: وَكَيْفَ تَأْمَنْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ إِذ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا. قَالَ. فَقَالَ لَهُ عُمَر: مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ صَبَأْتَ وَتَرَكْتَ دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: أَفَلا أَدُلُكَ عَلَى مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ، وَخَتَنُكَ قَدْ صَبَوَا وَتَرَكَا دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَمَشَى عُمَرُ ذَامِرًا حَتَّى أَتَاهُمَا وَعِنْدَهُمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يقَالَ خَبَّابُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: فَسَمِعَ خَبَّابُ حِسَّ عُمَرَ فَتَوَارَى فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: مَا هَذِِهِِ الْهَيْمَنَةُ التِّي سَمِعْتُهَا عِنْدَكُمْ. قَالَ: وَكَانُوا يَقْرَءُونَ {طه} فَقَالا: مَا عِنْدَنَا حَدِيثًا تَحَدَثْنَاهُ بَيْنَنَا. قَالَ: فَلَعَلَّكُمَا قَدْ صَبَوْتُمَا.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ خَتَنُهُ: أَرَأَيْتَ يَا عُمَرُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكِ؟ فَوَثَبَ عُمَرُ عَلَى خَتَنِهِ فَوَطَأَهُ وَطْأً شَدِيدًا فَجَاءَتْ أُخْتُهُ فَدَفَعَتْهُ عَنْ زَوْجِهَا فَنَفَحَهَا بِيَدِهِ – أَيْ لَطِمَهَا- فَدَمَى وَجْهَهَا فقَالَتْ- وَهِيَ غَضْبَى: يَا عُمَر إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
فَلَمَّا يَئِسَ عُمَرُ قَالَ: اعْطُونِي الْكِتَابَ هَذَا الَّذِي عِنْدَكُمْ فَأَقْرَأَهُ. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ: يَقْرَأُ الْكُتُبَ. فَقَالَتْ أُخْتُهُ: إِنَّكَ رِجْسٌ وَلا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ فَاغْتَسِلْ وَتَوَضَأَ. قَالَ. فَقَامَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ: {طه} حَتَّى انْتَهَى إِلَى قُوْلُهُ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرِ خَرَجَ مِنْ الْبَيْتِ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُون دَعْوَةَ رَسُولِ اللهِ لَكَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بَعُمَرِ بْنِ هُشَامٍ. قَالَ: ورَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّارِ التِّي فِي أَصْلٍ الصَّفَا فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى أَتَى الدَّارَ.
قَالَ: وَعَلَى بَابِ الدّارِ حَمْزَةٌ وَطَلْحَةٌ رضي الله عنهما وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَأىَ حَمْزَةٌ وَجَلَ الْقَوْمِ مِنْ عُمَرٍ قَالَ حَمْزَةٌ: نَعَمْ فَهَذَا عُمَرُ فَإِنْ يُرِدِ اللهُ بِعُمَرِ خَيْرًا يُسْلِمُ وَيَتْبَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ يُرِدْ اللهُ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُنْ قَتْلُهُ عَلَيْنَا هَيِّنًا.
قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَاخِلٌ يُوَحَى إِلَيْهِ قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عُمَرَ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَحَمَائِلِ السَّيْفِ وَقَالَ: مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ حَتَّى يُنْزِلَ اللهُ بِكَ مِنَ الْخِزِي وَالنَّكَالِ مَا أَنْزَلَ بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، اللَّهُمَّ هَذَا عُمَرُ... ابْن الْخَطَّابِ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الدِّينَ بِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. فَأَسْلَمَ وَقَالَ: أُخْرُجْ يَا رَسُول اللهِ.

.نَمَاذِج مِنْ صَبْرِ عثمان بن مظعون:

أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عُثْمَان قَالَ: لَمَّا رَأَى ابْنُ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا فِيهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْبَلاء وَهُوَ يَغْدُو وَيَرُوحُ فِي أَمَانٍ مِنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: وَاللهِ إَنَّ غَدْوِي وَرَوَاحِي آمِنًا بِجِوَارِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَأَصْحَابِي وَأَهْلِ دِينِي يَلْقُونَ مِنَ الأَذَى وَالْبَلاء مَا لا يُصِيبُنِي لَنَقْصٌ كَبِيرٌ فِي نِفْسِي.
فَمَشَى إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: لا يَا أَبَا عَبْدَ شَمْسٍ وَفَتْ ذِمّتُكَ قَدْ رَدَدْتُ إِلَيْكَ جِوَارَكَ. قَالَ: لِمَ يَا ابْنَ أَخِي لَعَلَّهُ آذَاكَ أَحَدٌ مِنْ قِوْمِي؟ قَالَ: لا وَلَكِنِّي أَرْضَى بِجوَارِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَجِيرَ بِغَيْرِهِ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَارْدُدْ عَلَيَّ جَوَارِي عَلانِيَةً كَمَا أَجَرْتُكَ عَلانِيَةً.
قَالَ: فَانْطَلَقَا ثُمَّ خَرَجَا حَتَّى أَتَيَا الْمَسْجِدَ فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: هَذَا عُثْمَانٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ جَاءَ يَرُدُّ عَلَيَّ جِوَارِي. قَالَ لَهُمْ: قَدْ صَدَقَ قَدْ وَجَدْتُه وَفِيًّا كَرِيمَ الْجِوَارِ وَلَكْنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ لا أَسْتَجِيرَ بِغَيرِ اللهِ فَقَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِ جِوَارَهُ.
ثُمَّ انْصَرَفَ عُثْمَانُ وَلَبِيدُ بْن رَبِيعَة بْن مَالِكٍ بْن كِلابٍ الْقَيْسِيُّ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ قُرَيْشِ يَنْشِدُهُمْ فَجَلَسَ مَعَهُمْ عُثْمَان فَقَالَ لَبِيدٌ وَهُوَ يَنْشِدُهُمْ:
أَلا كُلُّ شَيْء مَا خَلا اللهَ بَاطِلٌ

فَقَالَ عُثْمَانٌ: صَدَقْتَ. فَقَالَ:
وَكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلٌ

فَقَالَ عُثْمَانٌ: كَذِبْتَ، نَعِيمُ الْجَنَّةِ لا يَزُولُ. قَالَ لَبِيدُ بْن رَبِيعَةِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشِ وَاللهِ مَا كَانَ يُؤْذَى جَلِيسُكُمْ فَمَتَى حَدَثَ فِيكُمْ هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنَّ هَذَا سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءٍ مَعَهُ قَدْ فَارَقُوا دِينِنَا فَلا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ مَنْ قَوْلِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ عُثْمَانٌ حَتَّى سَرَى – أَيْ عَظُمَ أَمْرُهُمَا فَقَامَ إِلَيْه ذَلِكَ الرَّجُلَ فَلَطَمَ عَيْنَهُ فَخَطَرَهَا وَالْوَلِيدُ بْن الْمُغِيرَةِ قَرِيبٌ يَرَى مَا بَلَغَ مِنْ عُثْمَانٍ. فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ يَا ابْنَ أَخِي إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ عَمَّا أَصَابَهَا لَغَنِيَّةِ! لَقَدْ كُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَنِيعَةٍ. فَقَالَ عُثْمَانٌ: بَلَى وَاللهِ إِنَّ عَيْنِي الصَّحِيحَةُ لَفَقِيرَةٌ إِلَى مَا أَصَابَ أُخْتَهَا فِي اللهِ، وَإِنِّي لَفِي جوَارِ مَنْ هُوَ أَعَزُّ مِنْكَ وَأَقْدَرَ يَا أَبَا عَبْدَ شَمْسٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْن مَظْعُونٍ فِيمَا أُصِيبَ مِنْ عَيْنِهِ:
فَإِنْ تَكُ عَيْنِي فِي رِضَى اللهِ نَالَهَا ** يَدَا مُلْحِدٍ فِي الدِّينِ لَيْسَ بُمُهَتَدِ

فَقَدْ عَوَّضَ الرَّحْمَنُ مَنْهَا ثَوَابُهُ ** وَمَنْ يَرْضَهُ الرَّحْمَنُ يَا قَوْمُ يَسْعَدِ

فَإِنِّي وَقَدْ قُلْتُمْ غَوِيٌّ مُضَلَّلٌ ** سَفِيهٍ عَلَى دِينِ الرَّسُولِ مُحَمَّدِ

أُرِيدُ بِذَاكَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ دِينُنَا ** عَلَى رَغْمِ مَنْ يَبْغِي عَلَيْنَا وَيَعْتَدِي

اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سِرَّنَا وَعَلانِيَّتِنَا وَتَسْمَعُ كَلامَنَا وَتَرَى مَكَانَنَا لا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْء مِنْ أَمْرِنَا نَحْنُ الْبُؤَسَاءِ الْفُقَرَاءِ إِلَيْكَ الْمُسْتَغِيثُونَ الْمُسْتَجِيرُونَ بِكَ نَسْأَلُكَ أَنْ تُقَيِّضَ لِدِينِكِ مَنْ يَنْصُرُهُ وَيَزِيلُ مَا حَدَثَ مِنْ الْبِدَعِ وَالْمُنْكَرَاتِ وَيُقِيمُ عَلَمَ الْجِهَادِ وَيَقْمَعُ أَهْلَ الزَّيْغِ وَالْكُفْرِ وَالْعِنَادِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا ذِكْرِكَ وَوَفْقِنَا لِلْقِيَامِ بِحَقِّكَ بَارَكَ لَنَا فِي الْحَلالِ مِنْ رِزْقِكَ وَلا تَفْضَحْنَا بَيْنَ خَلْقِكَ يَا خَيْرَ مَنْ دَعَاهُ دَاعٍ وَأَفْضَلُ مَنْ رَجَاهُ رَاجٍ يَا قَاضِيَ الْحَاجَاتِ وَمُجِيبَ الدَّعَوَاتِ هَبْ لَنَا مَا سَأَلَنَاهُ وَحَقِّقْ رَجَاءَنَا فِيمَا تَمَنَّيْنَاهُ يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِج السَّائِلِينَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ضَمَائِرِ الصَّامِتِينَ أَذِقْنَا بَرْدَ عَفْوِكَ وَحَلاوَةَ مَغْفِرَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.